عودة الأبناء غير الضّالين – في الكلام المعاد والمكرور
Written in Arabic by Hoda Barakat
لسنا نشكّل جماعة، نحن الذين خرجنا، نحن الذين بقينا خارج البلاد. لا نتشابه ولا تشدّنا أيّة روابط. قلّما نلتقي، وإذا حصل ذلك لصدفة ما، فسرعان ما نفترق ونتفرّق على إشارات من أيدينا بالتهاتف قريبا. ولأننا صرنا نعفي بعضنا بعضا من العتاب الكاذب. نفترق ونتفرّق بسرعة ويداخلنا الجذل في التخفّف من لحظة ثقيلة، معترضة، في سياق حياة تسيل وتجري كالنهر الهادىء. لحظة تزداد ثقلا وعبثا حين يكون اجتماعنا لشأن لبناني، كأن نحضر فيلما، أو ندوة عن بيروت أو ما شابه، مسايرة أو مؤازرة أو حرجا… وكنا في السابق كغيرنا من المهاجرين نتلكأ عند المداخل وفي الممرّات، ثمّ نجد في مقهى قريب فرصة للسؤال عن الأحوال والكلام عن حاضر البلاد، وأحيانا للنقاش الحادّ.
لم نعد نفعل ذلك.
كنّا وما زلنا لا نشكّل جماعة. فنحن لا نحبّ تشابهنا أو ما يذكّر به. نفضّل أكثر فأكثر الذوبان في أيّ مشهد عام وعمومي اتفق وجودنا فيه. صار يكبر ميلنا إلى الإنزلاق إلى رقعة معارفنا الأجانب ممّن عرفناهم هنا. كذلك مع أولادنا، نترك لهم أن يختاروا أماكنهم وناسهم دون تدخّل منّا. بل صرنا نرتاب ونتوجّس من صدفة مخالطتهم لأتراب لبنانيين، صدفة قد تشدّهم إلى بلاد لم نعد نعرف ما يشدّنا إليها. لا نريد لهم أن يتعرّضوا لأمراض حب فاشل عذّبنا كثيرا، أو أن يرثوا عاهة جينية لن تلبث أن تضرب حيواتهم بالإعاقة التي لا شفاء منها.
فات زمن طويل على طي الصور والملصقات التي تردّدنا طويلا في سلخها عن جدران البيوت. كمن يؤجّل مراسم دفن. كمن يخجل من الفقدان، كمن يحمل ذنبا قديما ما زال يؤجّل التبرؤ منه. تلك التي لساحة البرج الملوّنة من الستينات، أو تلك التي لبحر الروشة وصخرته التي كنّا نعتقدها فريدة من نوعها في مبالغاتنا الوطنية. حتّى ولو أننا لم نمزّقها بعد، فوضعناها في الأدراج البعيدة عن المتناول، احتياطا، لمناسبة من الصعب أن نتبينها الآن، وفي الأيّام الآتية أيضا، مع وعد للتخلّص منها لضيق بيوتنا هنا، أي سنقول لأنفسنا إننا سنرميها إذ لا عليّات فسيحة عندنا لنحتفظ بما لا لزوم له، ونحن إذ سنمضي يوما إلى موتنا لن يفهم أبناؤنا أو أبناؤهم سبب وجود هذه الصور والملصقات، ولا من أي سفرة سياحية قديمة جئنا بها. فالبلاد أصلا لم تعد تشبه صور هذه الكراتين الصفراء المتآكلة الزوايا… وبدل تمنيّات التناسي والإبتعاد وسلامة جريان الوقت بتنا نحن الذين غادرنا البلاد، ورحنا نسير مع مخلوقات الربّ في هجرات متلاحقة، بتنا على شيء يشبه الحقد. يشبه شوق الإنتقام من أمر أو من زمن لا نعرف ما الذي حصل لنا فيه، أو كيف هو جرى وأوصلنا إلى ما نحن عليه. ذلك الأمر الغامض الذي يزداد سفاهة ورداءة، ويتدهور باستمرار وبلا قاع، تاركا إيانا بين نسيان مستحيل وإنكار يتلطّى بغيوم هجران يخبط في الأرض التي ليست لنا ولن تكون يوما. هذا الخيط الدموي الذي لا يتصل ولا ينقطع. أسطوانة تلك الأغنية الرديئة المشروخة التي لن تتوقّف. كأنّ المصائب هدايا، والحرائق نعم.
قبل أن نتوقف قليلا لنراوح في أمكنتنا لحق بنا جحافل المهاجرين مثلنا من بقاع وحروب أخرى حتّى أصبحت جموعهم المتدفّقة تدفعنا أكثر فأكثر بعيدا عن بلادنا وبلادهم. كأنّها قوّة الدفع الذاتي. قوّة أصبحت هي قانون الطبيعة لتيه شعوب مثلنا تكره سماواتها حتى الموت غرقا في قوارب السماسرة. واقتربت بيوتنا من خيمهم، نراهم صبح مساء، في الحرّ وفي الطقس العاصف، تفصيلا في مشهد عادي، حتّى تيقنّا نهائيا من بطلان التسلية في الأحاديث الفولكلورية عن إمكانيّة العودة، لا أحد يعلم، ربما، يوما ما.
لم يعد من أحاديث ممكنة بيننا.
حقد صغير لا يدمّر صاحبه ولا يعتقه. كوجع ضرس خيف يدوم دهرا. حسد صغير ويشبه خيانات الأمهات ونكران القديسين الشفعاء.
من زمان ونحن لا نشكّل جماعة لا من قريب ولا من بعيد. لا السفهاء منا ولا الأبطال الشهداء. صار هناك ما يجمعهم بعيدا عنا، ولا يجمعنا بهم. والذين كانوا أصحابا ورفاقا لنا في البلاد يموتون بسرعة، ونرتاح من محاولات التملّص من واجبات العزاء لمّا نجد المعزين أفواجا من كل حدب وصوب على الفيسبوك. لن يفتقدنا أحد، سوف ينسوننا ويتسلّون بوكالات أغاني الفيديو وأدب الفجائع الوطنية الذي يرفرف في اليوم التالي للإنفجار، أي انفجار. ففبركة الكوارث المتلاحقة تطلق النجوم بلا منّة من أحد..
صار أيّ اتصال هاتفي مفاجئا ومربكا. كنا نتصل ونسأل ماذا أحمل لك من البلاد؟ كشك؟ زعتر؟ بقلاوة؟ الآن لا لزوم للسؤال. لن أجرجر في المطارات ما هو موجود هنا بكثرة، طازجا ومهاودا بأسعاره. لم نشتري البرغل التركي مرّتين وهو يُصدّر إلى أسواقنا “البلدية” مثلما يصل إلى هنا؟!. نحن برغلنا، قمحنا، يملأ مرفأنا خضرة وسنابل بطعم النيترات الفريد…
ماذا سيقول الصديق المتصل؟ بم سيعبّىء الكلام؟ بلا الصوت الذي غاب عن الهواتف وتسرّب إلى الواتساب. الواتساب لا يُباغت ولا يُحرج أحدا بالردّ، أو هو يعطيه الوقت لتركيب الجمل المناسبة.
رغم هذا. رغم كلّ هذا تغصّ مقاعد الطائرات بنا. وتحتار شركات السفر في كيفيّة تسيير الرحلات المزدحمة.
لا شيء من مقوّمات الحياة الدنيا، تلك البدائية الكافلة للتنفّس، متوفّر. و..نريد أن نقضي الصيف هناك! لا الفيروس، لا الحرائق، لا نقصان الدواء البنزين ال… لا برامج للتنزّه، لا بحر، لا نهر، لا جبل… وأيضا هناك من يريد العودة، يريد العودة مستنكرا رعونة هؤلاء الباحثين بعشرات الآلاف عن وجهات هجرات جديدة وبأية شروط. لا شأن لنا بالمنطق، ربما لأن الذين غادروا من زمان لم يصدّقوا حتى الآن ما جرى. ربّما تأثروا بصفعات الحنين في الأغاني التي “تقاوم، وتصمد، وتعمّر، وتنهض كالفينيق من تحت الرماد…” ممّا تركته فيهم خلال العمر المديد أوبراتات من نوع فخر الدين وجبال الصوّان وكامل ضيع وريف الرحابنة.
كنّا في ما مضى نشعر بشيء من الخيانة والتخلي حين نعلم بنوايا أحدنا بالعودة. كنّا نزداد وحشة قبل الاستسلام، والانتقال إلى فبركة التمنيات بالتوفيق. ثم كنّا نعد أنفسنا بفشل العائد الذريع، ونتشفّى سلفا من .خيبته الأكيدة التي ستردّه إلى هنا. وسوف لن نبالي بكلّ ما حسدناهم عليه، ونشمت سرّا من كل النعم التي تفوتنا، من مشاهدتهم للفصول تتعاقب، والأولاد يكبرون، والجارات تعجزن والأهل يوارون الثرى، والأبنية والجسور والمقاهي ومنعطفات الطرق الجديدة، وحتّى أسماء الزعماء الجدد. كان ذلك في ما مضى من أيامنا. الآن فقدنا الحشرية، ولا تخطر لنا مشاعر كهذه. فقط نتمنى على المصطاف في الربوع الحبيبة، أو للعائد نهائيا إلى تلك الربوع، أن يخبرنا كيف، بعد خروجه من مطار رفيق الحريري الدولي، كيف يتخيّل قضاء الوقت. فقط ماذا سيفعل “هناك” ؟
لا أدري لماذا تسقط كلّ الكلمات التي تعبّر عن حب البلاد قبل أن تصل إلى قلبي. تقع قبل الغشاء الحافظ. هناك خلل ما. نوع من الفصام المؤلم الذي لا أقوى على علاجه. ما الذي تخرّب فيّ؟ ما الذي أحدث هذا التشوّه؟ هذا الشحّ، هذا التصحّر، هذا النكران؟
أحبّ أن أستسلم لموتي قليلا. أن أقبل باختناقي بالكلام الذي أخذت سوائله ترتفع في رئتي حتى الحنجرة.
هناك حرمة للموت. لن أشعر بالذنب. قليل من الهدأة قبل نحيب النائحات والصراخ فوق الأجساد أن قوموا.
حتّى الله لن يستقبلني إذ رميت إلى عدالته ما لم آمل بتحقيقه من عدالة الأرض. وقلتُ للصوص ها أنا أترككم لضمائركم! ولعدالة السماء. فقالت السماء حلّوا عن سمائي.
لأمكث قليلا في هذا البرزخ الحنون. لا مكان سواه للكافرين مثلي. لأذهب إلى شوقي الكاسح بالقتل ولا ألتفت إلى الخلف إلا إذا أكّد لي الرواة بأنّي سأتحوّل إلى تمثال من ملح. بأن النبوّة تتحقّق لا محالة لمن بعد خروجه يلتفت برأسه إلى سدوم وعامورة.
أمشي على حافّة الماء القريبة من السوق الشعبي. أرى أفراد الشرطة تُفرغ الخيم البلاستيكية من الناس، من أنواع المهاجرين كافة. بعض الأطفال ما زال نائما لا يستيقظ رغم دفع الأمهات بقوّة… هذه شعوب لن يعيدها شيء أو أمر إلى بلادها الأمّ. هذه شعوب لن يكتب شعراؤها في حبّ الوطن، أو في حنين العودة إلى “مراتع الطفولة“. هذه شعوب تهرق كلّ ما تبقّى لديها للابتعاد عن تلك “الأرض الأمّ“. ربّما أنا أشبههم. ربّما، رغم حظي العظيم في الإقامة في بيت صلب السقف والجدران، أنا أتمنى عميقا أن أسير معهم. عيب هذا التمنّي، لكن هذا البيت ليس بيتي، وهذا السقف لن يعطيني أحد إيّاه يوم غد. ولن أتركه إرثا لأولادي.
هكذا. أنا أصبح الآن أكثر إذعانا لقوانين هذه البلاد. أقلّ غضبا من تكرار تصحيح لفظ إسمي، وأقل تشكّيا ونقّا من هذه السماء الرمادية الواطئة الباردة باستمرار. كذلك أشيح عن انتقاداتي المتذاكية للسيستم الذي ينتظم الحياة هنا. بل إنّي أصبح أقلّ تفهّما لتجاوزات ال“أغراب“، أقلّ تسامحا مع خروجهم على القانون، أقلّ قبولا لانتقادات أهل البلاد أنفسهم لخبث الديمقراطيّة والطبقة السياسية الحاكمة! أكاد أقترب من رجعيّة تلامس عنصريّة مقنّعة… كيف أصبحت هكذا؟
كيف صرت أتقبّل أن تتخلّى حفيدتي عن تعلّم العربيّة؟ كيف صرت أتساهل كثيرا مع من فرنس إسم إبنه من علي إلى ألان، ومن جعفر إلى جفّ؟ كيف أقول إن الريف الايطالي أجمل من ريفنا الذي ما بقي منه شيء. إن درّاق فرنسا أطيب من درّاق حمّانا؟ كيف ارتضيت أن يضحك إبني حين سألته، في حماسه للفريق الفرنسي لكرة القدم “طيب، ماذا لو لعب فريقك ضدّ الفريق اللبناني؟” كيف صرتُ، كلّما غضبت قليلا أقول إنهم “هم” من فعلوا ذلك فما شأني أنا؟ وأن أتشفّى قليلا ممّن رموني خارج بلادي، كلّهم، وأن أعتبر أن “الشعب” اللبناني، كلّ الشعب، مسؤول عمّا ينزل فيه.
هذا الانفصال، هذا الانعتاق من سمّ، من سموم الحبّ، لم يطلقني في الهواء الحرّ.
ألتصق بقناة التلفزيون اللبنانية حتى لا يفوتني تفصيل صغير من التفاصيل التي تلهب أحقادي. تقول إبنتي توقّفي عن البكاء هكذا. احجزي بطاقة واذهبي إلى بيروت. أقلّه تشرفين على تصليح شقتك المعصوفة بنفسك. لكنني لا أريد هذه الشقة. أساسا هي حساب خاطئ وضلالي أريد أن أنساه، كما نسيت كل الجدران التي تهدّمت عليّ لتقول لي، دوريّا، إنّي لم أغادر يوما، وإنّ كوابيسي ما زالت “ترتع” هناك وتتخبّط في سوائل الحب الآسنة.
في البرزخ إيّاه كنت ارتضيت بألاّ أكون في أي من الناحيتين. لكنّ هذه المدينة تنتفض كجثة مطالبة بدفع ديّة القتل الذي ما زال عندي رغبة دفينة ليس إلاّ. هذا حصار لن ينتهي.
كلّ صباح أفتح مواقع شركات السفر، ثمّ أغلقها. لا أحجز ولا أشتري. أقول سنرى غدا. ماذا سنرى غدا يا ترى؟!
كلّ صباح أفتح نافذة غرفتي وأرى شارعا هناك. يحترق بمواد مزروعة منذ تكوينه. يحترق قلبي.
يحترق قلبي ولا يأتي غفران الرماد…
Published October 8, 2021
Written for Babel Festival 2021
© Hoda Barakat 2021
Il ritorno dei figlioli non-prodighi
Written in Arabic by Hoda Barakat
Translated into Italian by Cristina Dozio
Non formiamo una comunità, noi che ce ne siamo andati, noi che siamo rimasti all’estero. Non ci somigliamo e non abbiamo un legame speciale. Quando ci incontriamo, e non succede spesso, ci separiamo in fretta e ognuno va per la sua strada dicendo con un gesto della mano che ci sentiremo presto al telefono. Perché ormai evitiamo di rivolgerci l’un l’altro falsi rimproveri. Ci separiamo e ognuno va rapido per la sua strada, contento di essersi sganciato da un momento pesante, da un intralcio al fluire di una vita che scorre come un placido fiume. Un momento che diventa ancora più pesante e più inutile quando a riunirci è un evento legato al Libano – che si tratti di un film, di un incontro su Beirut o qualcosa di simile – a cui partecipiamo per conformismo, per solidarietà o per non sentirci in colpa. Prima facevamo come gli altri immigrati, ci trattenevamo un po’ all’ingresso e nei corridoi, e poi andavamo in un caffè nei dintorni per raccontarci di noi e dell’attualità del Paese, a volte per discutere animatamente.
Adesso non lo facciamo più.
Non siamo e non siamo mai stati una comunità. Non ci piace somigliarci né ci piacciono le cose che ce lo fanno notare. Nelle occasioni pubbliche a cui accettiamo di partecipare, sempre più spesso preferiamo confonderci in mezzo agli altri. Adesso tendiamo a scivolare verso qualche faccia nota nel gruppetto di stranieri presenti, invece di stare con le persone che conosciamo già dal Libano. Con i nostri figli è lo stesso: li lasciamo scegliere dove andare e chi frequentare senza intrometterci. Però ci facciamo sospettosi e apprensivi se per caso hanno a che fare con qualche libanese, un caso che potrebbe farli sentire legati a quella terra alla quale noi non sappiamo più cosa ci lega. Non vogliamo che soffrano le pene di un amore fallimentare che ci ha tanto tormentato o che ereditino una tara genetica che non si può curare e, presto o tardi, ti impedisce di vivere appieno.
È passato molto tempo da quando abbiamo ripiegato i manifesti e le fotografie che, dopo ripetuti tentennamenti, ci siamo decisi a staccare dalle pareti di casa. Come se rimandassimo un funerale. Come se ci vergognassimo di quella nostra perdita, come se portassimo una colpa antica e ne ritardassimo l’espiazione. Ecco la colorata Piazza dei Martiri degli anni Sessanta, ecco il lungomare di Raouché con il suo faraglione che, per eccesso di patriottismo, pensavamo fosse unico al mondo. Non li abbiamo ancora stracciati, per precauzione, ma li abbiamo riposti in qualche cassetto che non è a portata di mano, pronti per un’occasione imprecisata che adesso e in un futuro prossimo ci è difficile immaginare, e nel farlo ci siamo ripromessi di disfarcene perché le nostre case, qui, sono piccole. Proprio così, continueremo a raccontarci che li avremmo già buttati, se non fosse per quelle soffitte spaziose dove accumuliamo quel che non serve più, e a dirci che un bel giorno, quando arriverà il momento della nostra morte, i nostri figli o i nostri nipoti non capiranno come mai ci sono quei manifesti e quelle fotografie, né il motivo per cui abbiamo conservato il vecchio biglietto aereo con cui siamo arrivati qui. Di fatto, il nostro Paese non somiglia più a quei cartoncini ingialliti con gli angoli smangiucchiati… E invece di augurarci l’oblio, la presa di distanza e la sicurezza del tempo che scorre, noi che quel Paese lo abbiamo abbandonato ci siamo incamminati lungo la via di ripetute migrazioni assieme alle altre creature del Signore portandoci dietro una specie di rancore. Una specie di sete di vendetta per qualcosa o per un tempo in cui non sappiamo cosa ci è successo, come sono andate le cose che ci hanno portato fin qui. Questa cosa misteriosa, sempre più stolta e perversa, che continua a degenerare ma non ha mai fondo, che ci lascia in un limbo tra l’impossibile oblio e un rigetto che addensa nuvolaglie d’abbandono sulla Terra che non è né mai sarà nostra. Questo filo di sangue che non tiene insieme e non separa. Un disco rotto che non smette di cantare la sua brutta canzone. Come se le disgrazie fossero un dono e le esplosioni una grazia.
Prima che ci potessimo concedere una sosta nel nostro peregrinare da un luogo all’altro, legioni di migranti come noi ci hanno seguito arrivando da altri luoghi e da altre guerre. Finché, un gruppo dopo l’altro, ci hanno spinto sempre più lontano dal nostro e dal loro paese. È una sorta di forza autopropulsiva. Una forza che è diventata legge di natura nell’intricato dedalo di popoli che, come noi, detestano il loro cielo tanto da morire affogati sui barconi degli scafisti. Le nostre case sono diventate più vicine alle loro tende, li vediamo da mattina a sera, nel caldo o nella tempesta, un dettaglio di uno spettacolo abituale. Tanto, gli eroi dei nostri racconti popolari ci avevano convinto che è sempre possibile tornare, nessuno sa quando ma chissà, forse un giorno.
Adesso, tra noi, non ci sono più racconti che parlano di possibilità.
Una piccola dose di rancore che non ti annienta ma non ti dà tregua. Come un leggero mal di denti che non smette mai. Una piccola dose di invidia, qualcosa che equivale a tradire le madri o a rinnegare i santi patroni.
È molto tempo ormai che non formiamo una comunità, né visti da vicino né visti da lontano. Tra di noi non ci sono pazzi o eroi pronti al sacrificio. Quello che li accomuna ci è ormai lontano e non ci fa sentire uniti a loro. Quelli che un tempo, in Libano, erano i nostri amici e i nostri compagni muoiono troppo in fretta e, visto che su Facebook spuntano da ogni dove persone pronte a consolare chiunque, ci sentiamo sollevati dal compito di portare conforto. Nessuno sentirà la nostra mancanza, si scorderanno di noi e si consoleranno con la narrazione delle tragedie nazionali e i video musicali che vengono sventagliati all’indomani dell’esplosione, di ogni esplosione. Una fabbrica di disastri a ripetizione che fa brillare fin troppe stelle.
Adesso quando capita di ricevere una telefonata, ci sembra di essere colti alla sprovvista e siamo un po’ impacciati. Una volta, invece, ci sentivamo anche solo per chiedere: “Cosa ti posso portare da casa? Un po’ di kishk? Di zaatar? Di baklawa?”. Ormai non ce n’è più bisogno. È inutile trascinarsi in aeroporto borse piene di cose che si trovano anche qui, fresche, abbondanti e a buon mercato. Perché comprare il burghul, il grano spezzato turco, che sul mercato libanese viene importato esattamente come qui? Siamo noi il nostro burghul, siamo noi il nostro grano, i nostri porti sono pieni di verdure e spighe dall’inconfondibile sapore di nitrato…
Cosa avrà da dire l’amico al telefono? Come arriveranno le sue parole? Di certo non con la voce, che è sparita dalle chiamate per diffondersi su WhatsApp. WhatsApp non ti coglie di sorpresa e non ti mette nell’imbarazzo di dover rispondere, anzi ti dà il tempo di prepararti le frasi giuste.
Nonostante tutto, nonostante tutto questo, riempiamo i voli e le compagnie aeree non sanno bene come gestire gli overbooking.
Di fatto, i fondamenti della vita terrena e le condizioni basilari per respirare non ci sono. Eppure vogliamo passare l’estate laggiù! Nonostante il virus, le esplosioni, la mancanza di medicine, di benzina e quant’altro… Senza programmare gite al mare, in montagna o al fiume. C’è anche chi vuole tornare definitivamente, a ogni costo, ignorando le opinioni a suo avviso sconsiderate di centinaia e centinaia di esperti dei nuovi flussi migratori. Non c’è niente di logico in tutto questo, forse perché ce ne siamo andati da tempo ma tuttora non ci è chiaro come è successo. Forse perché siamo sensibili agli schiaffi della nostalgia nelle canzoni che sono un inno alla resistenza, alla resilienza, alla perseveranza, a risorgere dalle proprie ceneri come la fenice. Parole da melodramma in stile fratelli Rahbani che restano dentro a distanza di anni e anni.
In passato, quando scoprivamo che qualcuno aveva intenzione di tornare, ci sentivamo traditi e abbandonati. La cosa ci faceva imbestialire, ma poi finivamo per arrenderci e ci sforzavamo di augurargli buona fortuna. Ci facevamo carico del fallimento di questa gente che decideva di tornare dall’oggi al domani, scontavamo in anticipo una dose della sicura delusione che li avrebbe riportati qui. Cercando di non dar peso alle cose che gli invidiavamo, provando gelosia per quelle gioie che a noi erano precluse: vedere le stagioni che si susseguono, i figli che crescono, le vicine che invecchiano, i genitori che ci lasciano, i nuovi palazzi, ponti, caffè, curve delle strade, persino i nomi dei nuovi leader politici. Tutto questo è il passato. Adesso questo tarlo non ci rode più, non proviamo più questo genere di sentimenti. Ci auguriamo solo che chi torna nei luoghi del cuore, per l’estate o in via definitiva, ci faccia sapere cosa ha in mente di fare una volta messo piede fuori dall’aeroporto internazionale Rafic Hariri. Semplicemente che cosa combinerà laggiù.
Non so perché tutte le parole che esprimono amore per il paese d’origine cadono nel vuoto prima di arrivare al mio cuore. Cadono prima di penetrare la membrana protettiva. Sarà un disturbo. Un doloroso squilibrio per il quale non c’è cura. Che cosa si è spezzato dentro di me? Che cosa ha causato questa malformazione? Questa carenza, questo inaridimento, questo rigetto?
Vorrei abbandonarmi alla morte. Sentirmi soffocare di parole che, come un fluido, mi risalgono nei polmoni e fino alla gola. La morte è sacrosanta. Non mi sentirei in colpa. Un attimo di calma prima del pianto delle prefiche e delle grida imploranti sopra i corpi inermi.
Nemmeno Dio mi accoglierebbe perché ho rimesso alla sua giustizia quel che non ho speranza di ottenere tramite la giustizia terrena. Ho detto ai malfattori: “Vi rimetto alla vostra coscienza! E alla giustizia del cielo.” Ma il cielo ha detto: “Via di qua!”.
Mi tratterrei un poco in questo dolce limbo. Non c’è altro posto per gente che, come me, non ha fede. Mi lascerei andare al desiderio travolgente di morte senza voltarmi indietro, tanto più che i racconti dei cantastorie garantiscono che, se mi girassi, mi trasformerei in una statua di sale. Si avvererebbe la profezia: non c’è speranza per chi lascia Sodoma e Gomorra e poi si guarda indietro.
Sto camminando sul lungofiume vicino al mercato rionale. I poliziotti stanno sgombrando le tende di plastica occupate da migranti di ogni provenienza. Ci sono alcuni bambini che dormono e non si svegliano nemmeno quando le mamme li scuotono. Niente, nessun’ordinanza, farà ritornare questi popoli al loro paese d’origine. I loro poeti non scriveranno versi d’amore per la patria, versi di nostalgia per il ritorno ai verdi prati della giovinezza. Per allontanarsi da quella terra madre, questi popoli hanno sacrificato tutto quel che gli restava. Forse gli somiglio. Anche se ho la fortuna di avere un tetto sopra la testa, forse sotto sotto mi auguro di andarmene assieme a loro. Lo so che non dovrei, ma questa casa non è mia, queste quattro mura non diventeranno mie un domani. Non le lascerò in eredità ai miei figli.
Sono diventata così. Adesso mi conformo di più alle norme di questo paese. Mi arrabbio di meno per tutte le volte in cui devo correggere la pronuncia del mio nome. Mi lamento di meno di questo cielo grigio, basso e costantemente freddo. Mi risparmio le mie critiche sagaci al sistema che regola la nostra vita qui. Anzi sono meno comprensiva verso le violazioni degli “stranieri”, meno tollerante quando infrangono la legge, meno disposta ad accettare le critiche dei libanesi su quanto fanno schifo la democrazia e la classe politica al governo. Direi che sono diventata quasi conservatrice, ai limiti di un malcelato razzismo. Come ho fatto a diventare così?
Come ho fatto ad accettare che mia nipote abbia smesso di studiare l’arabo? A lasciar correre se qualcuno francesizza il nome di suo figlio, da ‘Ali ad Alain, da Ja‘far a Jeff. A dire che la primavera italiana è più bella della nostra, che non esiste più? Che le pesche francesi sono più buone di quelle di Hammana? Come ho fatto a mandare giù che mio figlio, tifoso sfegatato della nazionale francese, si metta a ridere quando gli chiedo cosa farebbe se la sua nazionale giocasse contro quella libanese? Come sono arrivata a dire, quando mi arrabbio, che è tutta colpa loro e che io non c’entro niente? È una piccola rivincita nei confronti di chi mi ha cacciato dal Paese, di tutti loro, e finisco per considerare tutto il popolo libanese, nessuno escluso, responsabile di quello che succede.
Questo distacco, questo espellere il veleno, i veleni dell’amore, non mi lascia respirare a pieni polmoni.
Resto incollata alla televisione libanese per non perdermi il minimo dettaglio che alimenta il mio rancore. Mia figlia mi dice di smetterla di piangere. “Fai il biglietto e vai a Beirut. Almeno puoi supervisionare di persona i lavori per sistemare l’appartamento semi-sventrato.” Ma io non lo voglio, quell’appartamento. È soltanto un investimento sbagliato e sconclusionato che voglio dimenticare come ho dimenticato tutti i muri che mi sono caduti addosso, per potermi raccontare, di tanto in tanto, che non me ne sono mai andata, che i miei incubi scorrazzano ancora laggiù e rimestano nelle acque torbide dell’amore.
In questo mio limbo, ero contenta di non trovarmi né da una parte né dall’altra. Ma questa città non ha pace come una vittima che esige sia pagato il prezzo del suo sangue, un’esigenza che sento anch’io, non c’è niente da fare. È un assedio senza fine.
Ogni mattina apro i siti internet delle compagnie aeree e poi li chiudo. Senza prenotare, senza comprare niente. Vediamo domani. Cosa diavolo vuoi vedere domani?!
Ogni mattina, quando apro la finestra di camera mia, mi sembra di vedere una strada libanese. Brucia in ogni sua materia. E il mio cuore brucia. Brucia e le ceneri non elargiscono nessun perdono.
Published October 8, 2021
Written for Babel Festival 2021
© Hoda Barakat 2021
© Specimen 2021
Other
Languages
Your
Tools